الكرسي والقرود/ بقلم: محمد فهمي

الكرسي والقرود/ بقلم: محمد فهمي
ـــــــــــــــــــــــــ
كانت القرود يعبثون ويقفزون وراء بعضهم من شجرة إلى أخرى، يلتهمون في طريقهم كل الفواكه التي يجدونها. ويكتشفون الأشجار المجهولة من أسفلها إلى أعلاها في الغابة. أنتهى بهم العبث واللهو إلى أطراف الغابة وهم يتأرجحون بين الأشجار العالية والأغصان العملاقة. لمحت القرود شيئاً خارج الغابة. شيء ذات أربع قوائم، ذهبية اللون ويكسوها قماش من الحرير الأحمر الوثير، وبمساند فخمة لليدين والظهر!
اتجهوا إليه بفضول، يرافقهم خوف من المجهول. وبعد أن داروا حوله واقتربوا منه بوجل. تسلقه قرد كان أشدهم خبثاً وغروراً ومحباً للمغامرة، بدأ بالقفز عليه ضاحكاً والقرود الأخرى تراقبه بعيون مستطلعة مترددة، ثم وضع عجيزته العارية على القماش الناعم الوثير، أحس بشعور غريب وجميل في نفس الوقت، وشعر بزهو وكبرياء. أغرى الكرسي بنعومته ودفئه القرد، وفتنه ليسند ظهره إلى الخلف، ويضع ذراعاه الطويلتان على المساند المريحة. كان سحر وفتنة الكرسي قد أخذه إلى عالم آخر، عالم القوة والجبروت. شعر بمشاعر مختلفة قوية، أحاسيس تراود قرداً لأول مرة.
أقترب قرد آخر قد تشجع بدافع الفضول، وأراد تسلق الكرسي ليلعب فوقه؛ لكن القرد الأول أمسك به من عنقه غاضباً مهتاجاً، وأحكم قبضته وشد عليها. كان القرد يصرخ بفزع وهو يختنق في قبضته، والقرود الأخرى يحملقون برعب وهم يصرخون مذعورين من فداحة الموقف. حاول أن يفلت ويحرر نفسه من قبضته؛ لكن بلا جدوى. جحظت عيناه وكادت أن تخرج من محجريه، وأصبح لسانه يتدلى في جانب شدقه. سكن جسده وكفى عن المقاومة في قبضته وارتخى. ثم رماه بعيداً وصاح بهم بصوتٍ شيطاني مرعب ومرتجف يكاد يكون منطوقاً:
“إنه لي … لي وحدي.”
لم يجرؤ القرود الأخرى في محاولة التسلق والاقتراب منه، وخضعوا له وبدأوا يطيعونه خوفاً…. وتسلط عليهم!
محمد فهمي/ العراق