المجند … / بقلم: محمد بنعمر

المجند … / بقلم: محمد بنعمر
عند كل خطوة يميل جسده إلى جهة، ويحدث فرقعة كلما وطئت إحدى رجليه الأرض. يرتدي زَيّاً أخضر حائل لونه وفوق رأسه طربوش، يتقدم بركبة متصلبة كالخشب. رجع المجند بعد غياب طال سنة خالها أقرباؤه عقودا طويلة، تغيرت ملامحه، جلده المدبغ بالشمس الحارقة أصبح شاحبا، نظراته المشعة أخمدت في عينين غائرتين، تدعوان للشفقة على قدره المشؤوم.
إشاعات وصلت بسرعة البرق إلى قريته البعيدة التي لا توصل إليها إلا طرق ملتوية نحتتها حوافر الدواب ودكتها مداسات الأرجل. شاع أن المجند الذي ذهب ليقاتل المرتدين توفي، في البداية أصيب بالرعب لرؤيته مخلفات الحرب وتبول في زيه: جثث ممددة، أطراف مبتورة ومتحللة، غير أنه سرعان ما آلفها وتلاشى خوفه، لملم قواه وقاتل ببسالة، غير أن قنبلة فاجأته في مخبئه وفرقعته. وبعدها غابت أخباره.
ارتبكت أسرته ولَم تعرف ما يجب فعله، أتذهب للاستفسار عنه في الثكنة التي ينتمي إليها أو تقيم طقوس الدفن وتدعو إلى صلاة الغائب؟ ولكن حدس الأم كان مغايرا. ظل أمل العودة عالقا بأجفانها التي لم تصدق خبر إصابته، وأنه سيعود قريبا. صار الانتظار حدادا لا ينتهي، أحرق قوى أهله. وفجأة ظهر في الأفق طيف كما في حلم وفرقعة الخطوات أيقظت الأم من غفوتها وبددت حزنها عندما رأت ابنها من لحم وعظم.