صفر…/ بقلم: محمد حمادنة

صفر…/ بقلم: محمد حمادنة
ـــــــــــــــــــــــــــ
أصبحت جوليا إحدى المنكسرات بعد أن انتهت الحرب، ولم تعاني أي اضطرابات نفسية ولا أي اختلالات فكرية؛ فهي إحدى اللواتي مزقتها الحرب وأصبحت كجرحٍ مفتوحٍ غير قابل للعلاج، وتركت الحرب في ذاتها هذا الجرح الذي لا يندمل بعد وفاة زوجها وبعد وفاة طفلتها بسبب الكوليرا التي غزت البلاد كما غزتها الجيوش الأجنبية، وكلاهما يبحث عن فريسةٍ ليفتك بها.
شعرت جوليا بأنها تشبه العدد صفر الموضوع على جهة اليسار ولا ضرر من تكرارها؛ لأن البلاد مليئة بالنساء الثكالى والأيتام، ولكن ماذا لو تحول هذا الصفر إلى جهة اليمين؟ ألن يصبح خانةً يحسبها حسابها؟ ووجوده فائدة وضياعه خسارة؟ ألا تختلف العشرة عن المئة والمئة عن الألف؟ ولذلك ستنقلب هذه الأصفار إلى أعدادٍ يحسب حسابها.
لم تترك جوليا نفسها خارج حسابات وطنها المكلوم، ولم تقف على القبور تبكي وتنوح طيلة حياتها، واستغلت كل وقتها في توعية النساء وشحذهن لبناء الدولة بسواعد النسوة؛ لتعود البلاد بلاداً من جديد، وعندما سألوا جوليا: ما الذي قمتِ به؟ أخبرتهم بأن الوقوف هو الموت والسير هو الحياة.
محمد حمادنة/ الأردن