أمِّي … لوحةُ الكمالِ/ بقلم: مرام عطية

أمِّي … لوحةُ الكمالِ/ بقلم: مرام عطية
________________
أمي، يا ملكةَ الكونِ، ناطحاتُ السَّحابِ خرائبُ إن لم تكحِّلها حضارةُ عينيكِ، وخصبُ الأقاليمِ يبابٌ إن لم تشربْ من فراتِ يديكِ، كلُّ الساحاتِ ضيقةٌ بلا اتساعِ صبركِ، وحدها ابتسامتكِ ترياقٌ لدرءِ العللِ وحصنٌ إلهيٌّ يدفعُ الحروبَ.
اليومَ زرعتكِ في صحراء العالمِ واحةَ سلامٍ، وجئتُ لألقاكِ في حديقةِ بيتنا الجميلِ، وريقاتُ نبضي المثقلةُ بالحنين تسبقني لعرشكِ الملكيِّ، وتقبِّلُ عنَّي لآلئ الجبينِ، تتركُ لهفتي حيرى بين أشطانِ الثواني، تسألُ عن نخلتكِ الشامخةِ بناتَ النسيمِ، تجمعُ زمردَ شمائلكِ، وترفعكِ نبيةً في محرابِ القداسة، تشفقُ على غربتي، تتأوه بصمتٍ بينَ محاجري، وتعانقُ محياكِ المترعَ بالإيمان
أمِّي أنا طفلٌ غابَ عنه الأمانُ، فأين ذراعيكِ تمطرني بدفءِ الحنانِ، تلملمُ أجزائي المتناثرةِ من جرن يعشقهُ هاون العالمِ فلا يتركُ فيهِ خليةً تصافحُ أخرى ؟! أينَ أناملكِ تعيدُ تكويني من صلصالِ الفضيلةِ، وتنقِّيني من أدران هذا العالمِ الملوَّثِ بالأنانيةِ والقبحِ ؟!
في عيدكِ الأجملِ ينازعني الشوقُ لعينيكِ والاحتفاءُ بأمومتكِ الخصبةِ، فأضعفُ وتطفرُ الدموعُ من مساربِ روحي فهلاَّ تعذريني.
يا مدرسةَ الحبِّ، ما أجزل عطاياكِ؛ إن طابَ غرسي، فمن يمناكِ طيبهُ، وإن تكحَّلت عيناي بالسَّنا، فمن دعاكِ نورها، وإن عقدتْ براعمُ لوزي، فمن رضاكِ كرومها.
يا لوحةَ الكمالِ، كيفَ أرسمكِ أو أخبرُ العالم عن بهاكِ ولا قلمَ يتقنُ رسمكِ ؟! أو كيفَ أعزفكِ على وترٍ، وكلُّ أوتارِ الكونِ لا تبلغُ أناشيدَ ثغركِ، أو تدنو من موانئ روحكِ الشفافةِ.
يا مهجةَ الروحِ، علِّميني كيفَ أكسرُ طوقَ الغيابِ المكينَ ليثلجَ فراتكِ صدري، ويروي عطشَ الشَّوقِ، فأنا لا أملك من عطركِ الوارفِ سوى أحلامي بلقياكِ وحفنةً ذكرياتٍ تعرِّشُ على ضفافِ قلبي.
- _________
- مرام عطية