أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة,ميتافيزيك ودين (3)/مادونا عسكر

أنسي الحاج وخواتمه الكيانيّة
ميتافيزيك ودين (3)
“لماذا لم تكتب في الإسلام؟ سألني مرّة مسلم علماني، فأجبته: “حتّى لا أُمتدح فأبدو منافقاً، أو أُنتقد فلا يبقى من انتقادي غير تهجّم طائفيّ”. الكلام من خارج، يظلّ طعناً، ولو كان محقّاً. الدّين كالذّات، لا تُحاكى من خارجها وإلّا كان الأمر عدواناً. الإسلام يجادله المسلمون أوّلاً وثانياً وثالثاً. يجب أن يتساوى الموسمون بالأديان في التّحرر كلّ حيال دينه أوّلاً حتّى يستحقّ كلّ منهم أن يثور على الدّين الآخر”. (ص 45).
سؤال يُطرح على أنسي الحاج الثّوري حتّى النّهاية والنّاقد الفذّ الّذي لم يترك شيئاً لم يقله أو يعبّر عنه أو يفلسفه. إلّا أنّ الكاتب الصّادق والحرّ يعلم أنّ الكتابة أبعد من كلام يرضي الآخر، وأعظم من مدح يغري الغريزة الإنسانيّة. وأنسي الحاج يقول إنّ الكاتب إذ يكتب يقف أمام نفسه متبيّناً مقدار الصّدق والحرّيّة والأمانة الّتي ترفع من قيمة عمله وتظهر قيمته الإنسانيّة. “نحن، نحن الكتبة، أوّل من يعرف إن كنّا صادقين، وحكمنا على أنفسنا هو الأصحّ”. (ص 42)
بين المدح الّذي يغرق الذّات في النّفاق، والنّقد الّذي لا يعتمد على حميميّة التّعامل مع أي نص سيّما الدّيني، خيط رفيع يحدّد مقدار الصّدق مع الذّات والأمانة مع الآخر. (الكلام من خارج، يظلّ طعناً، ولو كان محقّاً.). والنّقد الدّيني يعتمد أصولاً إنسانيّة أوّلاً، واحتراماً خالصاً للآخر بغض النّظر عن أيّة أحكام سابقة. ولا يجوز ولا يحقّ لأحد سيّما الكاتب انتقاد الدّين المخالف نصيّاً لأنّ الدّين خاصّة في مجتمعاتنا يمثّل الكرامة. وبالتّالي فأيّ نقد غير بنّاء يشكّل انتهاكاً للكرامة الإنسانيّة.
نشهد الكثير من هذه الانتقادات في جميع الأديان باعتبار أنّ كلّ يعتقد أنّه يملك الحقيقة. وانتقاد نصّ الدّين المختلف بمقاييس ذاتيّة خطأ نقديّ كبير لأنّه مزمع أن يكون تهجّماً. فالحميميّة مع النّصّ الدّيني لا يدركها إلّا المنتمي إلى الدّين نفسه. (الإسلام يجادله المسلمون أوّلاً وثانياً وثالثاً.). فالمسلمون هم الأعلم بمناقشة تفاصيل ديانتهم، ومجادلة قناعاتهم، وحتّى التّمرّد على ما لا يرضيهم. كذلك المسيحيّون واليهود والبوذيّون والهندوسيّون…
ما أراد أنسي الحاج قوله ببساطة إنّه عليك أن تثور بعدل، بمعنى أن ترفض ما لا يرضيك في دينك قبل أن تنتقد الآخر. أي أن تتحرّر من العنصريّة اللّا واعية المتأصّلة فيك. عندها سيكون النّقد بنّاءً خالياً من أيّة مصلحة أو منفعة. وستظهر الحرّيّة الإنسانيّة برقيّها لأنّها لا تحابي الوجوه. ويقول أنسي في مكان آخر: “حين تصادف يهوديّاً يهاجم اليهوديّة بالقوّة (والصّدق) والحجّة والجّرأة الّتي يهاجم بها المسيحيّة والإسلام، عندئذٍ تكون قد وجدت الحرّ المتجرّد لا الفريق المستتر. وطبعاً الأمر نفسه حين تصادف مسيحيّاً كذا وكذا ومسلماً إلخ…” (ص42)
مادونا عسكر/ لبنان