26 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

 الغثيان…/ بقلم: سامح أدور سعدالله

 الغثيان…/ بقلم: سامح أدور سعدالله

قصة قصيرة….

 

الغثيان

 

أنتهي العمل و أغلقتُ باب الدكان , ذهبتُ إلى الفرن اشتريت أربعة أرغفة , بعد ذلك أخذت الأتوبيس رقم سبعة و سبعين أخرجتُ الأجرة و دفعتها للمحصل , لم أحظي بمقعد  لا مشكلة  , و صل الأتوبيس  إلى أول الشارع الذي يوجد فيه بيتي ,نزلت منه و دخلتُ مطعمَ يذكرني بأيام الطفولة ,   اشتريت أربعة بيضات و بعض الفول و رجعتُ إلى البيت ,  قد حل الليل و أَظلمت الحياة  . هذا هو الجزء الأخير من اليوم الطويل المُمل , تناولتُ عشائي رغيفين خبز و بيضتين و نصف  الفول  ثم قمت أغسل يدي و وجهي و فمي بالترتيب ,هذا ما علمته لي أمي منذ كنت طفلًا , كل الأطفالٍ تحاكي أبائها , ألا أنا , يبدو أن أمي كانت تعرف جيدًا أنها سوف ترحل سريعًا , لذلك أرضعتني  سلوكيات النظافة مع  حليبها .

أعدتُ القهوة شربتها ساخنة  , بينما أتابع نشرة الأخبار اليومية الروتينية داعبت دُميتي القديمة ثم خرجتُ إلى شرفتي و تابعت البشر وهم في حركات مستمرة  عشوائية و هم يسيرون في خطوط مستقيمة و متعرجة  لمدة نصف ساعة ,  عدتُ إلى  الداخل , ذهبتُ إلى فراشي و قرأت أجزاء من كتابِي  العتيق ذو الأوراق الباليه  من كثرة تقليب الورق و قراءته , ثم خطفني النوم سريعاً .

استيقظت صباحاً كالعادة تناولت إفطاري  ,  عبارة عن البيضتين الأخيرتين   و النصف الباقي من طبق الفول المتبقي , احتسيت كوبا من الشاي الممزوج بالحليب و السكر كان  كثيرًا  في قاع الكوبٍ لماذا  ؟  لأني لَم  أقلب السكر  ربما لأن ليس معي ملعقة أو كسل .

و سمعت الأخبار أيضا و لكن هذه المرة  لَم تكن من التلفاز  ولكن من صوت المذياع  و البرامج كما هي بالترتيب من نشرة أخبار السادسة صباحاً حتى أغنية

( فايزة أحمد بالسلامة يا حبيبي بالسلامة)و عندها أتذكر عندما كنت طفلًا و قد أعد والدي كل شيءِ لي يخص المدرسة , الفطور و الحقيبة . هو الأخر رحل مبكرًا حينها  لم أبلغ التاسعة من عمري  , عندما قال لي : بني هذه هي المرة الأخيرة التي نتحدث فيها معًا , كن شجاعًا و قويًا , ثم مات أبي و صرت وحيدًا إلى هذا اليوم .

أخرج من البيت و أذهب إلى  الدكانِ و أفتحه , الذي يصدر نفس الصرير و الكركبة العالية فمنذ زمن لَم يتم تشحيم الباب أو تزيته؛

و لكن لماذا؟ لا أعرف ………….

و استمر في الدكان حتى الثانية ظهراً أحضر طاجنًا   جاهزاً و رغيفين من خبز الفينو ذو الرائحة الأخاذة .

و بعدما تنقضي الساعات الطويلة الروتينية الكئيبة ,  ينتهي العمل بعد صبر مُمل فهذا الدكان لا يدخل فيه أحد و  لا يخرج ,أغلق باب  الدكان ,  هكذا تمر الأيام  دواليك  , لكن ذات مرة عندما جئت إليه صباحاً لَم أجد الدكان و لكن وجدتُ بابه و عليه اليافطة مكتوبًا عليها   اسم جدي , شعرت بالضيق و رغم ذلك  نظرت خلف الباب لم أجد شيء حاولتُ الاستفسار عن السبب ؛ من جيراني في الحي الذي فيه الدكان لَم يجيبنِ أحد أبداً .

وقفت أتابع الموقف لعلي أجد الدكان هيهات أن أجد أي دليل و اقتربت من هؤلاء البشر الذين هم في الحوانيت المجاورة كانوا أصنامًا   بشفاه  دائرية  و عيون شاخصة و أنوف بارزة لا تتكلم أبداً وانتظرت إلى أن تنقضي ساعات العمل  حتى عدتُ إلى منزلي مكرراً نفس السيناريو كل يوم الذي لم يتغير أبدأً.

و أخيراً قررت أن أغير روتين الحياة التي عشتها أكثر من ألفي سنة و ذهبتُ مُبكراً للحي لأغير نشاط الدكان و عندما وصلت صدمت ! شعوري بالندم لم يكن كفاية فما صنعته طوال فترات حياتي لا يجدي شيء , ماذا فعلت ؟ !!!!!

و لكن لماذا صدمت فكان هذا هو الأمر  المتوقع ؟

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.