29 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

بين بابين/ بقلم:مها ريا

بين بابين/ بقلم:مها ريا

ـــــــــــــ

بين بابين:

أحدهما ، لكثرة ما تورّم خلفه التّاريخ صار موارباً على الذّاكرة .

و الآخر ، لكثرة ما دقّوا عليه مساميرَ الحدود أصبح مسنوداً على الرّكام .

و ما بينهما ، أفتّش عن موطئ قدم ، في حاضرٍ يجثو على ركبتيه ، بعينيّ وحش ، يرصدُ أدقّ التّفاصيل ليقتنصَ اللّحظةَ المناسبةَ للانقضاض على فريسةٍ تخشّبتْ أطرافُها ، و التي هي الأخرى بدورها ، تنتظرُ فرصتَها لتسحبَ من باطنِ الأرض نسغاً كاملاً ترشفُه دفعةً واحدةً و تعلو في جوف ورقةٍ إلى أعلى غصن …

أتكّور على نفسي ، بعد أن غشّى بصري غبارُ الحروب ، وصمَّ أُذنيّ صليلُ السّيوف ، أفتّش عن رأس إبرةٍ لأثقبَ ورماً ابتليتُ به منذ الطّفولة .

كم كنت أحبُّ دروسَ التّاريخ ! أحفظها عن ظهر قلب ، كم خضتُ المعاركَ مع أبطالها ، وتسلّقتُ معهم أعاليَ الجبال ، لننصبَ راياتِ الانتصار !

 

كم كانت تأخذني قصصُ الأوّلين وتفرّدُ أبطالها ! إلى أن رأيتُهم يقطفون بسيوفِهم النّجوم ، وعندما رأيتُ نزيفَها ، عدْتُ إلى أمّي أرتجفُ من الخوف ، و لمّا سألتني عن السّبب قلت لها:

ألم نجدْ طريقةً أخرى غير السّيوف لنسحبَ النّجوم من الشّبابيك كي تنامَ بيننا؟.

لم تجبْني..!

 

أمّي يا أمي ، …

لم أعدْ أحبُّ معلّمَ التّاريخ ، و لم أعدْ أحبُّ حكاياتكِ عن الأبطال ، لأنّهم جميعاً يحملون السّيوف.

صليلُها الذي حجب عنّي صوتَ النّهر ، و النّسيم الذي يمرُّ فوقه ، حاملاً على كفوفه بُنيّاتِ الأزهار اللاتي لمْ تقوَ أطرافهنّ على العوم ، ليعبرَ بهنّ إلى الضّفة الأخرى.

كيف سأنجو ؟ و أنا لم يعدْ لي بينهمْ موطئُ نَفس !

ليت الشّعراءَ يفصّلون للقصائدِ فساتينَ الفرح!

فوحدها القصائدُ ، من تنجبُ الجمال ، وتعيدُ إلى النّجوم ألقَها و تموضعَها في السّماء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.