تأمل… / بقلم: د . ريم سليمان الخش

تأمل… / بقلم: د . ريم سليمان الخش
ــــــــــــــــــ
حوار غنائي بين رحال ومراقب
المراقب:
أطوف على الديار أريد بشرى
وأطمع في زمانيَ أنْ أسرّا
بلوت من الخلائق كلّ عيبٍ
فلستُ أرى التماع الدمنِ تبرا
***
ورحالٍ يشدّ إليه جروا
تراءى في خيوط الليل فجرا
تفانى في مسيرته بخبثٍ
وتُربُ الأرض من نعليه يُذرى
يُرافق خادما في جسم كلبٍ
ورأسٍ كالأبالسِ ضجّ وزرا
مسجى بالعقاب وليس يدري
علام الإثم كان عليه حكرا؟
له طوقٌ جنائيٌ تدلى
ومشدودٌ إذا ما اشتدّ سيرا
أرادا أنْ يُقيما في شعابٍ
له فيها ضلاليون سَعْرى
وقد جدَّ المسيرَ لها سريعا
فضوء الفجر خيرٌ أنْ يُفرّى
إلى شُرفات مصطبة عليها
نفوسٌ في ابتكار الحب عقرى
***
لحقت به يُسابقني فضولي
كمرتابٍ ولا أخفيه ذعرا
تجشأ من لقيمات وألقى
لخادمه بما ألفاه مذرى
تشممه مثارا مستثيرا
فأوقعه على الإمتاع وطرا
يطاوعه بذيلٍ مستلذٍّ
كمنحرفٍ أمام الجوع خرّا
صرخت به وقد أوذيتُ نفسا
فواريتُ التمعن فيه شطرا
:
ألا فأكفف ..رويدك ..بعض تقوى
ألم تشعر فظاعة ما تفرّى؟
لقد شفقت عليك تلال روحي
ووحل السوء في القيعان مجرى
أما أُلجمت عن فعل تردّى؟
كمعتوه بما يؤذي أقرّا
أما تخشى إذا أمعنت فحشا
بذات الجنح أنْ يلقاك بترا
****
الرحال:
تأمّل في كلابٍ شارداتٍ
بلا دربٍ نباح الجوع مسرى
وليس سوى سياط القهر مأوى
وقد ذاقت من العبث الأمرّا
تعاني من وجودٍ مستفزٍّ
وحزن الأرض بالدمع استقرّا
ألم تشفق على قطعان وحشٍ
بشهوتها طوت يُسرا وعسرا
وليس لها سوى الأدغال مثوى
وما اقتدرت لكي عنها تفرّا
تٌطارِدُ أو تُطارَدُ دون لأيٍّ
بهائمَ لا ترى بالقتل ضرّا
***
وإنّي للعليم بذات نفسي
وإنّي بارتكاب الحمق أدرى
ولي نهم التوحش في التماسٍ
لغزوٍ أو لنهشٍ جاء هصرا
أفكرُ في رغائب جامحاتٍ
وديدن لذّتي شبقٌ تعرّى
فما أقلعت عن جوعي وغابي
وما أحللت إلّا ما أسرّا
بهيميٌ ومازالت عروقي
على أسلافها في القنص حرّى
إذا أُدهشتَ فالحق بي إليهم
لعلك أنْ ترى (آلاءَ) أُخرى
****
المراقب:
لحقت به لكي أزداد خُبرا
ولي قلبٌ لما يُخفى تحرّى
وصلناها ووجه الليل شِعرى
ضفيرته ترّد النجم شذرا
يُراودها افترار البدر سحرا
بما يبدي من الألآء غرّى
سقى نفسي انجذابٌ شاعريّ
وآيته على التغرير كبرى
أتمتم كالأسير هوايَ لحنا
إلى أن شّدني نصبٌ وأسرى
على شرفات منصبة تراءى
له انفقأت عيون اللحن ذُعرا
****
بمحمومين خلف سراب مُلْك
تُحركهم غلال الربح قصرا
مقامٌ قد ترصّع بالبغايا
له سجدوا عراة الروح كفرا
كبغلٍ قد علا نصبَ السرايا
يباركهم نعيما مستقرّا
وقد لحسوا الحوافر ناتئاتٍ
إلى أنْ فزّ ما أسموه (تمرا)
فإنْ رشق (الزريّ) فذاك شعرٌ
وإنْ بال (الثريّ) رأوه خمرا
***
وما لحسُ القذارة مستطابٌ
وهل ترجو من الإنتان دُرّا
ولكنّ اقتناص الحظ صيدٌ
ولو كانت سواقي الدمْن مجرى
فليس سوى فتات من خواء
وأنفاسٍ تنزّ القيحَ قَدرا
وأرواحٍ بدت خِرقا تدلّت
بإصحاح يخطّ المتن مكرا
يُعربد في مواعظ هابطات
ويقضي أن يُطاع وأن يُبرّا
وفحوى الفكر مهزومٌ خسيسٌ
يبررُ أنّ سحقهمُ استحرّا
وليس به سوى الإدماء عرفٌ
وصعبٌ أنْ يكون السِفر برّا
***
خرجت من المدينة دون عودٍ
لأني لا أباع ولستُ أشرى
وما طبع الكماة بأن يماروا
ولست بجاعلٍ للكفر عُذرا.