27 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

حسان الَّليلكِ …. تشكو الغيابَ/ بقلم: مرام عطية

حسان الَّليلكِ …. تشكو الغيابَ/ بقلم: مرام عطية

__________________

أميرتانِ من أسرةِ النَّخيلِ، على خطوهما تعشبُ دروبُ القفرُ، ويزهرُ الخريفُ على شرفتي، تعشقهما سنونوات الدارِ ، و يعاكسهما قرنفلٌ مشاغبٌ من مملكتي، بغيابهما يذيلُ الجمالُ و تبكي حسانُ الليلكُ في الوهادِ، أميرتان تزرعُ أنفاسهما مشاتلَ الورد والحبقِ في غرفتي ، كغادتين تسكنانِ أبراجَ عينيَّ، و كطفلتين تتمرجحانِ بشغفٍ على أغصانِ قلبي، كشجرتي ليمونٍ تسبحانِ  في بحرِ النضارة، تتهاديانِ كغزالتين كلَّ صباحٍ على كتفِ الرُّبا فتسرحانِ بالرهافةِ شعرَ النسيمِ ، وتسكبانِ مذاق البرتقالِ في صدري، ما أحيلاهما واحتين تقرُّ بقربهما أحداقي، وتهدأُ ثورتي ! تبسمانِ فتهدلُ الحمائمُ، تضحكانِ فتشدو الكمنجاتُ، وتغرِّدُ البلابلُ في فناءِ منزلي، لا أدري كيفَ دارَ الزمان، أو كيفَ قطفهما الغيابُ منِّي ؟!

أمومتي لا تقبَلُ اعتذارهُ اللامنطقي باقترابِ فصلِ العلمِ تارةً وطقوسِ الدراسةِ الجامعيةِ ودروبِ السعي تارةً أخرى، وهل تقبلُ الأمومةُ قوانينَ النوى وحكمَ الشتاء العاتي ؟!

ما أقسى مناجلَ البعدِ! وما أوجعَ أشواكَ الحرمانِ! لا تبالي بجراحِ الشَّوقِ وسيول الَّلهفةِ، لله ما أمضى سيفَ القلقِ! يخترق أفئدة أكبادنا رغم الكثير من خنادقِ القناعةِ وأنهار الدفءِ.

بغيابهما ترحلُ جزرُ الألقِ، وتغيبُ نجومُ الفتنة عن أقاليمي، مساحاتُ الدَّهشةِ تضيفُ، تجفُّ سواقي الخصبُ بين ضلوعي، يشحبُ الأفقُ، وتهاجرُ أقطارُ الفرحِ من مداراتي، جوقةُ الكنارِي الطربِ تتوارى عن أشجارِ الصنوبرِ والبلوطِ وتنتظرهما لتحتفلَ بمهرجان اللقاءِ. لو يرقُّ قلبُ الزمانُ فلا يفصلُ الأوراقَ عن الغصونِ، والأهدابَ عن العيون، فلا يحرم الأبناءَ دفءَ الآباءِ، أو يرحمُ، فأستطيلُ غيمةَ رعايةٍ من دفءٍ وحنانٍ أطوي المسافاتِ، أقلِّمُ أظفارَ الرعبِ، أرفو ثقوبَ الأماني، أشدُّ أزرَ الضعفاء، أو أهدبُ حقلَ قمح في يبابِ الأيام، فأضمَّ خرافي إليَّ أحاربُ جرادَ الأسى، وأنتصرُ للطفولةِ.

أيتها اليمامتان، حرستكما السَّماءُ منارتينِ لعمري في ليالي الظلام، وأدامتكما خميلتي فرحٍ وسلامٍ.

________

مرام عطية

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.