26 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

خرافة الملحً / بقلم: تبارك الياسين

الجو شتائي قارس، والدك كان يبكي، لا أحد مع والدتك عندما فاجأها المخاض، من الفزع الذي انتاب والدك، هرع يدق على أبواب الجيران، فامتلأ البيت بالنسوة، جئت أنا، بدأت النساء بترتيل القرآن لتهدئة والدتك مع إنني كنت أتلو سرًا آية الكرسي إلا أنني اعتبرت ترتيل الجارات للقرآن نذير شؤم، والدتك وقتها أصرت على عدم الذهاب إلى المستشفى فهي منذ أيام فقدت جارة إثر ولادة سيئة، لذلك أصاب والدتك الخوف من أن تطأ قدماها المستشفى، وآثرت أن نأتيها بالداية (أم أحمد). ذهب الكثيرون للبحث عن داية أخرى فـ (أم أحمد) التي نعرفها ذهبت إلى الحج، جاءت داية من حارة مجاورة، وخلصت والدتك من عذابها. ليزداد عذابها. عين شريرة التصقت برحم والدتك.. فتحول رحمها لشيطان يأكل نفسه حتى فقدت أمك أرواحًا بريئة ووالدك…”

 

والدتي لم تكن محظوظة ورثت النحس عن جدتي، لذلك عاشتا وحيدتين بعد أن فقدت أمي والدي صباح أحد الأيام. لم تجده في أي مكان، ومع أن جميع من في الحارة قد علم بهجر والدي لأمي إلا أن أمي كانت تقول إنه ذاب، وإنه ما زال موجودا في البيت، في شقوق البيت والجدران.، وكل شقوق البيت امتلأت بأوراق ملونة، تكتب أمي فيها تعاويذ غريبة لعل الغائب يعود يومًا…

كل الغائبين في حارتنا عادوا إلا والدي، بقي غيابه معلقًا داخل شق حائط في غرفة نوم أمي. تفزع من رؤية عنكبوت ميت، فهذا نذير شؤم، وإشارة إلى مصيبة ستحل في البيت، والموت عند أمي بدأ مبكرًا، بوفاة أخي الصغير شهاب… ترتل آيات عند انكسار أي قطعة زجاجية حتى لا تنكسر أرواحٌ طيبة تحرسنا.. عشرون عاما مضت …منذ أن سقطت الصورة.. تحدّثُ الجدران ببلاهة، وهي تنظر إلى المسامير الصدئة …قبل عشرين عاماً سقطت الصورة، تناثر الزجاج على الأرض. لم تفزع أمي من أن يؤذينا الزجاج.. التقطت الصورة وبقيت تنتظر أخي، عشرون عاماً مضت وأمي تردد:

“إن الأرواح معلقة بصور أصحابها”

بينما كبرتُ وما زلتُ أحاول نزع الزجاج المكسور من جسدي. قبل العيد تكشف أمي خبايانا وأسرارنا عندما تقتحم حجراتنا بحجة التعزيل، ويجتاحني القلق والتفكير؛ فكيف سأبرر لها اسمه المكتوب على الجدار بطلاء الأظافر خلف السرير، ويقلق أمي أي نوع من مساحيق التنظيف ستزيل هذه الخربشات عن قلبي. أمي التي خذلها الحب، كانت موقنة بأن الحب سيخذلني أيضًا.

تدور أمي في البيت، في يد تحمل قلبها وباليد الأخرى ترش الملح في الزوايا، تفتح النوافذ على مصاريعها وتهمس لي:

-جدتك كانت تقول:

“الفراشات يجلبن النحس، يقدمن أجسادهن قرابين للنار من أجل روح أخرى”

لم أصدق حكاية جدتي، فبت ألملم غبارهن المحروق وأنثره في أصيص

حتى نبتت زهرة.. غرزت شوكها في قلب أمي ذات يوم… القلب تحول ليرقة ثم فراشة ألقت بنفسها للنار.

يدور جسد أمي في أركان البيت بلا يدين وملح.

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.