دراجة نارية/ بقلم: شارا رشيد

دراجة نارية
بقلم: شارا رشيد
ـــــــــــــــ
خرجت من السوق أغذ السير نحو عربتي المركونة تحت ظل شجرة توت عجفاء، يشي جذعها اليابس بويلات السنين. كان ضوء شمس تموز في منتصف النهار شرساً يمزق الأبصار ويشرذم الظلال، فلا ظل ولا نسمة تخطأ طريقها إلي، فتحت زيقي للهواء، فهي الرمضاء الكفيلة بتبديد فكرة التباطأ أو التوقف لأي سبب كان. كان الشارع مكتظاً بعربات مغلقة النوافذ ويخلو من المارة، سوى امرأة مسنة منهكة منبطحة على الرصيف وفي يدها قنينة ماء تشرب وتسكب منه على وجهها… آه، لو كان لدي جرد ماء لسكبته على رأسي! ترددتُ في إطالة النظر اليها وأسرعتُ إلى العربة، سمعت صوت ارتطام مدوي وزحلقة وفرامل وصراخ خلفي… التفتُ، كانت دراجة نارية ملقاة وبجانبها شاب يتكور على نفسه، وعربة فارهة مسرعة تطوي الطريق، ثم تجمد كل شيء! هرعتُ إليه وقد سبقني عمال مطعم قريب، حملوه إلى الرصيف بجوار المرأة العجوز.
_” سلامات، سلامات، الحمد لله”
قالت المرأة.
_ أأنت بخير؟ هل أنقلك الى المشفى؟
سألته.
_ شكراً أنا بخير.
وكشف عن ساعده المجروحة وهو يتأوه، وأستأنف بصوت مرتجف:
_ لولا هذه المرأة لكدت أموت؛ التفتُ إليها وإنحرفتُ عن مسار العربية العمياء.
كان شاب في مقتبل العمر تصرخ في وجهه الحياة، فمه الناشف كشف عن قاموس مرارة وألم، عيناه العسليتان الواسعتان صرحتا باختفاء الأفق تحت أنياب الفقر والعوز، الصندوق الخشبي المثبت على دراجته يعلنُ عن هويتهِ: عامل نقل الأطعمة إلى البيوت.
ما عرفت كيف اُعبرُ له عن تعاطفي وأخرجتُ من محفظتي مبلغاً من المال وقدمته له، لكنه انتفض رافضاً وتفشتْ في خديه حمرة خجل بريء، غافلته ودسست في جيبه ورقة وربتُ على كتفه وغادرتُ مسرعةً. قبل أن أغادر التفتُ اليه ليطمئن قلبي، كان ينحني للمرأة العجوز ويُخرجُ من جيبه الورقة النقدية التي دسستها له، رماها في حُضنها، وهو يمسك بذراعه المجروحة.