ذابَ الشَّوْقُ في الحشا بقلم: علي موللا نعسان

ذابَ الشَّوْقُ في الحشا بقلم: علي موللا نعسان
ـــــــــــــــــــ
حاسَ الوجدَ مقلٌ رامتْ عنْ
كَرْمِ زَيْتونٍ مُسَجَّى بالعَطاء
إِذْ طالَ الجُورُ المُسَرْبلُ بالعويل
أُمَّهاتٍ ثَكالى دونَ اِعْتِبار
وظِلّ آباءٍ تَدَلَّتْ عَناقيدُ أَجَلِهِمْ
عَلى صَهيلِ زَيْتونٍ مَسْلوبِ النَّدى
قُطوفُ العِنَبِ رَعَسَتْ حُزْناً
عَلى شِغافِ غُصْنِ التّينِ المُعَنَّى
وشَجَرُ اللَّوْزِ أَجْفَلَتْهُ بَناتُ الصَّدْر
واللَّيْلُ سادَ يَنْشُرُ في الأَصْقاعِ
عَلى فَنَنٍ غَضّ قَشيبٍ مُلَوَّى
صَواباً رامِقاً تَحْتَ رَمْسِ الوَدى
شَوْكُ الظُّلْمِ حلَّ عَلى وَجَناتِ السّنديان
عَلى مَدْعاةِ قَوْمٍ عاثوا الدَّهْرَ فَسادا
ما بَيْنَ طُقوسِ الرَّوْعِ والخَراب
ذُهولٌ عَتِيٌّ عَجّ البِلادَ بِلا هوادة
وحارسُ البَيْنِ شَمَّرَ عَنْ كاهِلِه
شُؤْمَاً وَلَّى في عُصَيَّاتِ العدى
طُبولُ الحَرْبِ في عُقْرِ الدّيارِ دَوَتْ
وفَأْرُ الغَدْرِ أَعْتى شَجَرَ الزَّيْتونْ
ورَقَصُ أَفاعٍ سَرَتْ في دُجى اللَّيْلِ
عَلى تُخومِ غَزْوٍ حاصَرَ الكُرومْ
وعَبْرَ خَيْباتِ الزَمَنِ المُحْتَدَمْ
طُيورُ العَزْمِ سَعَتْ في رَأْبِ الرَّدى
فَقَدْ ذابَ الشَّوْقُ في الحَشا كَمَدا
وطافَتْ عُيونُ اليَتامى تَلْثُمُ الوَجْدَ
وتَهَللَّ السَّعْيُّ في نَفْضِ الهَشيمةِ
وتَجَلى الصَّبْرُ المُلْتاعُ يَخْمِدُ وَجَعاً
عَلى الترابِ في شَتى الرّياضِ والقِفار
في مَشهدٍ تَطْغى فيهِ جَمْرَةُ السُّدى
مَعارك شَرَفٍ طَرَقَتْ أَبْوابَ الحِمى
وعَقْلٌ تَجَرَّعَ لَواعِجَ العَيْشِ اللاهِث
وقَلْبٌ تاهَ في شَوارِعِ الضَّياع
مَفْجوعاً بِمِزاجِ الطَّبيعةِ بَيْنَ البَشَر
ومِن عَدوى الغُصْنِ العَافنِ عَلى الشَّجَر
ومِنْ شَظايا الوَعْدِ القَميء في الصَّدى
جُموحُ الصّعابِ صَعَّرَتْ خَدَّها
وطَوْعُ الهّمَةِ سرَّجَ جَوادَ الحَق
سَعياً إلى بَقايا حُفْنَةٍ مِنْ تُراب
مُتَشَدّقاً عَزيمةً لا تَكِلُّ ولا تَصْدَأ
وأَمَلاً يَنْتَظِرُهُ الياسمينُ الدّمَشْقي
بِلهفٍ مُوَشَّى بِزَكْوَة أقانيمِ الهُدى
طَيْفُ الذّكرى راحَ يَجوسُ الكُروم
عَلى أنغامِ البَلابِلِ والحَساسين
بِلَقْطَةٍ مِنْ مُخلّداتِ الذاكِرة
قُبَّرَةٌ تُغَني بِصَوْتٍ يُنْعِشُ الأَلباب
وحُلمٌ يَجوبُ أثيرَ الطُّهْرِ والنَّقاء
تَحْتَ ظِلالِ الحَوْرِ الأَبَيْضِ في المَدى
جَمالُ الحُقولِ جاسَ بِلَحْظِهِ وَعْداً
ونَرْجِسُ السَّعْدِ لاحَ يتوشّى بِطَرْفِه
تَغْريدَ الطُّيورِ عَلى أَغْصانِ التينِ
عَبْرَ فَيْضِ المَواسمِ وغَيْضِ بناتِ الفلا
والشَّجْوُّ باحَ مَذهولاً عَلى أَوْتارِ الحَناجِر
بِعرسِ زَغاريدٍ تَهلّلتْ عَلى شِفاهِ النِّدا
سُهولُ الزَّيْتونِ والصَّفصافِ تَرامتْ
بَيْنَ أَحْضانِ بناتِ الفِكْرِ والنَّوى
نُزوحَ القَوْمِ شلَّهُ نُواحُ الوِجْدان
وبِنْتَ العَيْنِ أَعْتَتْها بَسْمَةُ الدَّقَرِ
وأُمُّ الفَضائلِ تاهَتْ عَنْ شَجْرِ الأرطى
تَرْجو سَماحةً وغفراناً مِن ربّ الهُدى
دُموعُ الوَجْدِ راحَتْ تجوبُ الذاكِرة
عَبْرَ مَشاهِدِ الحُطامِ وَسْطَ العاصِفة
بِرعْشةٍ مِنْ ابتهالات الضَّمير
وعِبرةٍ يَنشدُها مَحْفِلُ الخاطرة
عَبْرَ أثيرِ الفَضاءِ في زند العبابْ
تَحْتَ شَلاَّلِ النُّورِ المنبثّ في المدى
جَبينُ الوَعْدِ راحَ يُضيء المُخيّلة
عبر نَسائِمِ الحِكْمَةِ المُتهللة
بِصَحْوَةٍ تُنْعِشُ تلابيبَ الرؤى
ونِعمة تنشد رضى بني البشر
بنفحة روحية تقتاد صراط الأمل
على شراع يجري في محاسن الفدى
Ali Molla Nasan