عالم لا يصلح للملائكة/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

عالم لا يصلح للملائكة
بقلم: محمد عبد الكريم يوسف
ـــــــــــــــــ
عندما تسود أزمات الأوطان تزيد أزمات القيم. والأزمات في غالبية الأوقات ليست مستوردة وإنما مصنعة محليا بوصفات مستوردة. فعندما يغيب الوعي تغيب المصلحة العامة وعندما تفضل المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن تطول الأزمات وتستمر سنين طويلة تأكل سنوات من عمرنا وعملنا وتشوه قيم الأجيال وتكثر مظاهر السلوك المضطرب على مستوى الأسرة والمدرسة والمؤسسات ووسائل الاعلام.
هناك دائما من يعزف عزفا منفردا على وتر الوطنية ويصل إلى حد المزايدة والتحريض وهناك من يحمل راية الوطنية والولاء للوطن لإسقاط الخصوم وتبرير القتل على الهوية والتشويه والتشريد. الولاء للوطن إنقاذ لما تبقى فيه من قيم وطنية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية؛ أما أن تأكل الناس بعضها تحت مسمى الجوع فعالم آخر بحد ذاته.
ونحن أمام تعبيرين لا يختلفان إلا بقلب المفردات هما ” قيم الأزمات ” وأزمات القيم” والفرق بينهما تماما كالفرق بين الثريا والثرى والبعد بينهما كالبعد بين سهيل وسها وقيم الأزمات تراكمية تجري في مسار تصاعدي مدمر يولد أزمات القيم وكل الحلقات فيه مترابطة وحتى نفهم كيف نصل إلى أزمة القيم بسبب قيم الأزمات إليكم الحكاية التالية :
يحكى أنه في يوم من الأيام وفي إحدى البلاد البعيدة سقى فلاح أرضه المزروعة بالبطيخ والخضار والفواكه بمياه غير صالحة للسقي ليبيعها ويقبض أرباحها ومن
من أرباحها يشتري من مربي الدواجن ديكا روميا تم حقنه بمواد مسمنة تسبب السرطان المؤكد، وبدوره يذهب مربي الدواجن مهرولا عند جزار لشراء لحم خروف لأنه لا يأكل لحم الدواجن كونه يعرف كيف يتم تسمينها، لكن هذا الخروف تم تسمينه و نفخه هو الأخر بالكورتيكويد وهو من المواد المسرطنة الأخرى، أما الجزار وبحكم عمله وحيث أنه كان مربي دواجن قبل أن يصبح جزارا فيذهب في نهاية النهار إلى مسمكة المدينة لشراء بعض السمك على اعتبار أنه اللحم الوحيد الخالي من السموم فيشتري سمكا تم صيده بالسم والمتفجرات فتحضره له زوجته وتقدمه في طبق شهي مع بعض الخضار من عند الفلاح الأول…
تقول الحكاية أن الثلاثة مرضوا وذهبوا منفردين للطبيب والتقوا بميكانيكي مكسور القدمين لأن سيارته فقدت توازنها على طريق أعوج صممه مهندس تخرج من جامعته بالواسطة وعين في مؤسسة الطرق العامة فسرق جزءا من المشروع ولم يتابع المتعهد جيدا في لجنة الإشراف لأنه قبض منه رشوة معتبرة وتدخل في الحديث مهندس تعرض لحادث سير لأن الميكانيكي غش في تثبيت براغي السيارة التي يقودها فتعطلت الفرامل ، ويتدخل في الحديث صاحب مطعم مصاب بمرض معدي في شعره لأن الحلاق لم يعقم أدوات الحلاقة جيدا ، ليدخل الحلاق نفسه إلى العيادة في حالة تسمم وتقيؤ إثر تناوله الغداء عند صاحب مطعم لم ينظف أدواته منذ فترة .
وأثناء انتظار قدوم يبدأ النقاش والجدل البيزنطي الطويل بينهم فيتفقون على عبارة واحدة ” بلد تعيس لا يعاش فيه”، ويخططون للسفر إلى ألمانيا.
بالتأكيد سيخرب هؤلاء ألمانيا بعد ستة أشهر من وصولهم إلى هناك.
الوفاء للوطن يبدأ بالانسجام الداخلي والوفاء للذات ومتى تحقق الصدق مع الذات والتضحية عاش الوطن وعاش الإنسان حرا.
ألستم معي في ذلك؟