لمن كانت هذه الإشارات/ بقلم: سامح أدور سعدالله

لمن كانت هذه الإشارات/ بقلم: سامح أدور سعدالله
ــــــــــــــــــــــــــــــ
نشيط الذهن قوي الملاحظة سريع البديهة، هذه كلها كان يمتلكها هذا الشاب الأنيق الخلوق، جالسًا في هدوء ووقار على كرسي طويل بالحديقة. لم يكن يشعر بالملل كثيرًا، حيث يقرأ جريدته، ويلعب بجهازه المحمول قليلًا حتى تقترب عودة صديقه.
كثيرًا ما كان يقلب نظرته بين الحين والآخر على أشكال الأشجار العتيقة وأغصانها حتى في وجوه المتنزهين معه في الحديقة. وربما يشغل باله أيضًا مصير اليمامة التي يطاردها ذلك القط المفترس. تعجب من تلك المشهد؛ فهو لا يأكلها ولا يطلقها وتشعر أنه لا يريد إلا أن يلعب معها. وأخذ يتابع المغادرين و الوافدين حتى هلت فتاة مثل البدر معتدلة الطول خمريه البشرة، وجنتاها مشربتان بالحمرة الصافية و عيون سماوية، ظن أنها ليست من بني جنسه، ولكن لاحظ أن الفتاة مرتبكة ما بين حقيبتها و شنطة يدها؛ فهمّ واقفًا لعله يقدم يد العون، ولكن يتراجع من الخجل و لسان حاله يقول (ربما تكسفني أو يكون معها أحد) يتراجع تلك الخطوات التي تقدمها، و خلال هذا، جلس دقيقة واحدة ثم قام ذاهبًا إلى دورة المياه، بضعة دقائق و عاد إلى حيث كان يجلس، فوجد شيخًا قد جلس في نفس مقعده، أشار إليه بالسلام، فأشار هو بالرد. على المقعد الآخر جلست تلك الفتاة التي شاهدها منذ دقائق، جاءت لتجلس أمامه مباشرة، وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه رغم أنه لا يعرفها، لكن شيئًا مجهولًا كان يفرض عليه التفكير فيها وبقوة.
كان يرمقها بقوة لدرجة الملل حتى شرد بعيدًا بتفكيره. إلا أن عينه مازالت عليها. صوت ضجيج القط مع اليمامة أعاده إلى التركيز مرة أخرى، ثم عاد ببصره لينظر إليها ليجدها مبتسمة، وكان وجهه مقابلًا لوجهها مباشرة. ظن أنها تبتسم له، فأصابه الحرج، واحمرَّ وجهه. نظر يمينًا ويسارًا وللخلف فلم يجد شيئًا.
دار عقله … إذاً لمن كانت هذه الابتسامة؟! عاد لينظر من جديد، مازالت تبتسم نفس الابتسامة بالإضافة إلى بعض إشارات بيديها إلى أسفل إلى أعلى، وجميع الاتجاهات، ثم استدارت بوجهها نصف استدارة، والابتسامة لا تزال واضحة جدًا من جانب وجهها. وأخذ يلاحظها منتظرًا أن تعود لوضعها الأول مرة أخرى ليحدد لمن تذهب هذه الإشارات. ولم تغب كثيرًا، وعادت بنفس الابتسامة كذلك نفس الإشارة.
طرح عدة أسباب لتفسير هذه الإشارات!
هل تعاني من اضطراب ما؟
هل هذه الفتاة تعرفني؟ إذن فمن هي؟
هل معجبة بي بتلك السرعة؟ ولكن استبعد هذا الرأي…
وأخيرًا قرر أن يقطع الشك باليقين. وأن يسألها مباشرة، من تقصد بتلك الإشارات؟ ورغم الصراع القوي بداخله إلا أنه قرر الذهاب إليها ليعرف حقيقة إشاراتها. قام ببطء شديد، محاولًا بكل قوته هزيمة جبنه وخوفه من ذلك المجهول. وأخيرًا حطم كل أسوار الشك والخوف الراكدين داخله. جر رجليه كأنه يمشي في رمل ووحل، اقترب منها مبتسمًا، لكنه عندما سألها عن تلك الإشارات، وما إن كانت تريد شيئًا منه، انزعجت وأبدت تعبيرات الخوف المندهش. وجرت إلى حيث يجلس وأمسكت يد الشيخ تجذبه برفق تحمل أشياءه، مناديه على قطها ثم أخذت دميتها ورحلت.
سامح أدور سعدالله
ــــــــــــــــــــــــــــــ