نحلةٌ من بلادي/ بقلم: مرام عطية

نحلةٌ من بلادي/ بقلم: مرام عطية
___________
كنحلةٍ ترافقُ الفجرَ في رحلتهِ إلى ربوعِ بلادي سهولها وتلالها ،تلبسُ سوار الشمسِ ، و تتزين بأقراطِ الحبِّ كلَّ صباحٍ ، وكراعيةِ ظباءٍ ، تستبشرُ بها الأحداقُ ،تشعُّ حيويَّةً وإشراقاً ، أيقظتني رائحةُ البنفسجِ في أنفاسها ، و أخبرتني خطاها عن أميرةٍ فينيقيةٍ في بساتينِ اللوزِ والتفاحِ ، كما قصَّت لي قامتها الوارفةُ العطاءِ عن نخلةٍ عريقةٍ على فراتٍ عذبٍ ، شبيهةُ أمِّي تدأبُ النهارَ لتعودَ برحيقِ السعادةِ لفراخها الصغارِ ، أنثى بلادي تقسو عليها القوانين الجائرةُ ، تضيَّقُ الخناقَ على حديقةِ الطفولةِ التي ترعاها بعيونٍ لا تنام ، و قلبٍ لا يهدأ ، تحاصرها محاكمُ ارتجاليةٍ وأنظمةٌ عمياءَ صمَّاء .
رأيتها اليومَ تنطلقُ ككلِّ الأمهاتِ اللائي يسرنَ دربَ الجلجلةِ ملكةً تحاربُ جيوشَ الكسلِ والرتابةِ في طريقها إلى العلياءِ، تغدرُ بها ذئابٌ ترتدي أقنعةَ الحمائمِ
ترتطمُ بجرفٍ هائلٍ في بحرِ الغطرسةِ، ينهالُ بسياطِ الأنانيةِ، وعسسِ القهرِ، فتذرفُ الكثيرَ من الآهاتِ وتحتسي أباريقَ الصبرِ، لتمرَّ الساعاتُ بسلام دون أنْ تريقَ نفسها أمامَ الآخرين
ما أقسى الحياة على روحكِ الطيبةِ! أيتها النخلةُ الأصيلةُ في هذا الشرقِ الكئيبِ، لم تنتهِ رحلةُ الشقاءِ يا أمي تؤبين لمنزلكِ منهكةً ومعكِ دنانُ العسلِ لأبنائكِ، تبحثينَ في ثناياهُ عن كسرةِ راحةٍ، أو ليمونةِ صفاءٍ، فتجدينَ سلالَ التعبِ تنتظرُ أناملكِ لتفرغَ حمولتها، وأكوامَ الفوضى ليعودَ إليها الترتيبَ، وازدحامَ الاحتياجاتِ لتنتظمَ بحسبِ الأولوياتِ، تشرقُ شمسكِ فتنقشعُ سحبُ الخوفِ ويتلاشى ضبابُ الأوهامِ، يعودَ للأسرةِ الأمانُ، أمَّا أنا فلا أملكُ إلا هذا القلبَ المترعَ بالحبِّ أقدِّمهُ لكِ.
رعاكِ المولى يا مصنعَ الأملِ، وأدامكِ زيتونةَ الدارِ يا قزحَ السعادةِ، منحكِ الصحةَ يا سنديانةَ العطاءِ، طوبى لك، فلولا يداكِ ما أعشبتْ قفارُ الإنسانية وما سال نهرُ الحنانِ.
________
مرام عطية