يمني في المنفى/ بقلم: أصيل الصليحي

يمني في المنفى/ بقلم: أصيل الصليحي
ـــــــــــــــــــ
عزيز بطل دمعة سقطت بأكفِ الحياة، حملها الغائب، وشربها المشتاق، وظل هناك مابينها والعراء يبكي، ويضحك، يدرك أن النصر تلده الهزيمة، والربح تتمخضه الخسارة، لذا أستمر يحلم، ويقاتل، يعشق، ويواجه، يتعب لكنه ينسى بطريقةٍ ما، ويمسح الدمع برقصةٍ قصائدية على هامش الرفاق، دمعه القصائدي الطويل منحه سفر آخر، لكن قدميه تتعثر، ووحده قلبه يواصل النضال حافياً.
شعر لوهلةٍ ما أنه متخم بوصية أمه، ومثخن بالجراح، رأسه ضخم كالبلاد تماماً، ووجهه كصنعاء الهاربة من الحرب، يعيش دمعه القصائدي منذ زمن، متشبث بالجرح كأرملةٍ ضاقت بها المُدُن، وأتسع لها العراء، تسكنُ خيمة، وتكابد تراجيديا حرب لم تفصح عن ألمٍ مكبوت، لكن هذا لم ينسِه الحب، والسلام، مازال بقلبهِ الأمل: “سننجو”.!
ياللمسافات.! الغياب فعل بهِ مايشاء ولايشاء، واليقين في قلبِ أُنثى لم يغتنمها بعد.
كبرَ لكنه لايزال ذلك الطفل، طامح، محب، يحلم بحياةٍ آمنة، تكفل له السكينة، والهدوء، يحب الموسيقى، والسلام، كتبه قدر مجهول، وظل يبكي بعمق، مثل ابن المدينة التي لا تعرف قدر ابنها الآن؛ يعيش على أمل العودة، واللقاءات، والسفر الى الريف الجميل ، فهناك كان الحب في قلب قريته، وكان النصر، وكانت الهزيمة، وكانت الحياة كلها في آن.
عاش كلاسيكي متمدن، حالم، يعشق الحياة، ويحب الكفاح، ولد مكافحاً، مناضلاً من يومهِ الأول، اِعتاد السفر، والبحث عن فرصة للفلاح، و ينتظر الأمل ليضحك، يرى في مشقة الطريق والمنفى، والغياب عمقاً، ونضجاً أكثر، ويعلم أنه ولد ليتعب، ويكبر ليشيخ.! فمع طفلٍ في صدره المشروخ يداعب قدرين، ويبتسم، وبكاؤه يتلاشى بطريقةٍ ما، ك“عجوز” شائخة وجدت ابنها الضائع في مصادفة غريبة بسوقٍ شعبي مزدحم بالقصائد، القتال لديه يكسبه مناعة كبيرة يجدها حينما ينهزم، وهذا عنفوانه الكبير.!
ففي ظلٍ عابرٍ مر عزيز بدار صديقه البائس ولم يدرك الحظ، كان المنحدر على نحوٍ جارح، وبلوغه الوصل لا الهزيمة، والعتاب، ومابين ذكرى أندثرت، وفكرة ما، وخيال طفيف خاف أن يكون الحضور باهتاً سرقته المدينة عن الرفاق، أو تقمصته اللهجة بغفلة مجهولة. عاد خجولاً يذرع ذات الطريق، يرافقه الدمع ويتذكر مصير صغيره القادم، وقبل أن يصل، ويعود شاخ في قلبه الحلم، و ماتت في صدرهِ القصيدة، وطلع الخريف.!
عفواً ، لقد كان يقرأ قصيدة ” امرأة الفقيد”، وكان يبكي دون اكتراث، العمى ، فكره الشارد، الضياع العارم، كان الخطيئة في منتصف الحياة، حتى وصل، وضحك لأمه، وهناك تذكر أنه لم يتزوج بعد، وعاش رقصة الانتصار.
“اجلس يا بني” ! ، فرحاً أستقبلته أمه، وسروراً أحتفل قلب القرية. نعم، هذا الشاب ترك المدن الغابرة، وقتل المسافات، ليعود لمن يحب. شق فجر صباحهِ الأول قصيدة ، قصيدة، وتنفس الغياب.!
مزقني عناق امه الطويل ، وكسرتني دمعة الفرح، والأمل الذي تسرب في نسيج القرية ذات حياة.
# أصيل الصليحي