28 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

اللّقاءات عن بعد: رؤية عن قرب/ بقلم: د. كريمة نور عيساوي

اللّقاءات عن بعد: رؤية عن قرب

بقلم: د. كريمة نور عيساوي

ـــــــــــــــــــــــــ

كان لوباء كوفيد 19 أثر حاسم في تقييد العالم، وشلّ حركته في جل المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية، ونظرا لصعوبة اللّقاء المباشر ولاستحالته لما يُشكله من خطورة على الفرد وعلى المجتمع، كان خيار اللّقاء عن بعد وسيلة مرحلية ومؤقتة لتجاوز الأزمة التي فرضتها الظّرفية بدءا من تفشي وانتشار الوباء وإلى الآن. بهدف تحقيق السلامة الصحية للأفراد والمجتمعات.

في ظل هذه الظّروف الاستثنائية تم الاعتماد رسميا على التعليم عن بعد، كما نُظمت الملتقيات والمهرجانات والندوات العلمية الوطنية والدولية، وما فرقه وباء كوفيد 19 جمعته التكنولوجيا الحديثة، وانخرط الجميع في هذه التّجربة، وأسهم في إنجاحها، وذلك رغم كل الإخفاقات التي كانت تعتريها من الناحية التقنية. ونظرا للجديّة التي كانت تطبعها، وبسبب الإقبال المنقطع النظير الذي حظيت به باعتبارها تجربة جديدة، وبصفتها الوسيلة الوحيدة الممكنة التي مدت جسور التواصل الثقافي بين الشرق والغرب، ناهيك عن استقطابها لكل مكونات المجتمع، انتابنا شعور عارم بأننا أمام صحوة ثقافية أسعدتنا وابتهجنا لها.

لكن مع طول المدة،  وانطلاق  الموسم الجامعي والدراسي الجديد بدأنا نستشعر نوعا من النفور المتزايد من تلك الملتقيات التي فقدت طعمها نظرا لكثرتها وهيمنتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد أن نفتح صفحة الفيس بوك أو أي وسيلة تواصل أخرى  حتى تتهاطل  علينا  المئات من اللقاءات التي تتناول مختلف الحقول المعرفية. ولم تعد مثل هذه اللقاءات حكرا على المواضيع الثقافية التي يُنظمها متخصصون ذوو تجربة سابقة في هذا المجال، بل أضحى الكل يُنظم اللقاءات العلمية والمهرجانات التشكيلية والقراءات الشعرية…، نظرا لسهولة التنظيم ولمجانيته، فالمنظم للنشاط عن بعد لا يحتاج ها هنا إلى طلب قاعة للعرض، وتوفير وجبات الغذاء للضيوف، وحجز غرف للمبيت. ولا يضطر أن يطرق أبواب المؤسسات العمومية والخاصة طلبا للدعم. إنه معفى من كل هذه الإكراهات. إذ كثيرا ما يخرج المنظم للنشاط الحضوري من هذه التحركات الماراثونية بخفي حنين فيضطر أن يغطي جزءا من النفقات من ماله الخاص. والغريب أن بعض منظمي مثل هذه القاءات عن بعد في الآونة الأخيرة ولاستقطاب المتابعين تبنوا فكرة توزيع شواهد الحضور . ويحق لنا أن نتساءل عن جدوى ومشروعية تلك الشهادات. هل لها فعلا قيمة في الملفات العلمية؟ وهل سيستفيد منها الطلبة في الساعات المقررة في ملفات تتبع الطلبة الدكاترة؟ ونحن نعلم أن هؤلاء في حالة حضورهم للمؤتمرات والندوات كان رئيس اللجنة المنظمة لا يقدم على التوقيع على شهادة الحضور إلا بعد أن يتأكد من متابعتهم لأشغال الندوة التي تستغرق يومين أو ثلاثة.  لنكن صرحاء مع أنفسنا، ولنقل الحقيقة كما هي دون أي رتوشات إضافية ولنتساءل: عن أي حضور نتحدث؟ فهناك من يتابع المحاضرة أو النشاط العلمي وهو في السوق يجر عربة التسوق، ويقارن بين أثمان السلع والمنتجات.  وهناك من يتابعه وهو يقود السيارة. وهناك من يُطل على المحاضر، وهو يتناول وجبة الغذاء أو العشاء، وقد يغيب فترة من الزمن لكي يقضي بعض الأغراض أو الحوائج. ولخطأ خارج عن الإرادة أو ناتج عن السهو يحدث أحيانا أن نرى في الشاشة حضرة المتابع وهو غارق في النوم داخل غرفته وقد نسي الكاميرا مفتوحة…. فعن أي شواهد للحضور نتحدث؟

لقد وَجدت بعض المراكز في هذه اللقاءات عن بعد وسيلة مجانية لترويج اسمها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح البعض نجوما يتحدثون في كل المواضيع، وفي كل التخصصات، هل فعلا ناقشت تلك المؤتمرات إشكاليات كبرى، وحاولت الإجابة عن أسئلة عالقة؟ وهل خرجت بتوصيات مهمة أم ظلت عند حدود التعريف بالظاهرة؟  في نظري المتواضع نحن في حاجة إلى إعادة النظر في هذه الظاهرة، وأن نتعامل معها بجدية كبيرة وإلا أصبحنا كمن يدُق الماء في المهراز يوهم الناس بالقرع دون وجود أي نتيجة يجنيها في النهاية هي فرقعات صوتية لا غير.

فلو كانت المؤتمرات عن بُعد مؤثرة وذات جدوى لكان التعليم عن بُعد) (Distance Learning، خيارا دائما، ولاعتمدته وزارات التعليم العالي في الدول العربية والغربية نظرا لسهولته ومجانيته. فالتعليم عن بُعد ظهر منذ عقود من الزمن في الجامعات الغربية. وعلى الرغم من تطور تكنولوجيا الإعلام والتواصل التي يسرت سبل توظيفه، إلا أنه لم يرتق أبدا إلى المستوى الذي يحظى به التعليم الحضوري، وظل استعماله محدودا أو تكميليا. ويتضح هذا الأمر جليا عندما نعلم برفض أغلب الجامعات في مباريات التوظيف لمثل هذه الشواهد التي تُمنح عن بعد.  وما ينطبق على التعليم عن بُعد يسري على الملتقيات والندوات واللقاءات.

مجمل القول لسنا ضد هذه اللقاءات عن بعد ولا ندعو إلى هجرتها لكن يجب لا أن نعطيها أكثر من قيمتها فهي لا تقوم مقام اللقاء الحضوري التفاعلي، وما نخشاه أن تترسخ هذه الظاهرة في مرحلة ما بعد كوفيد 19 فنحرم من اللقاءات المباشرة، ومن الاطلاع على المستجدات العلمية في عين المكان، مثلما حرمنا الكتاب الالكتروني من متعة الكتاب الورقي الذي كانت تربطنا معه علاقة روحية. وكل لقاء عن بعد وأنتم بألف خير.

د. كريمة نور عيساوي

أستاذة تاريخ الأديان كلية أصول الدين

جامعة عبد المالك السعدي تطوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.