28 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

أتجمَّلُ بضحكتكَ يا أبي/ بِقَلم: مَرام عَطية

أتجمَّلُ بضحكتكَ يا أبي/ بِقَلم: مَرام عَطية

—————————

البارحةَ جلسَ أبي وحيداً على الشُّرفةِ المسائيَّةِ للعمرِ يدخِّنُ الذكرياتِ الجميلةَ بأسىً ولوعةٍ، يرفضُ أنْ يشربَ قهوتَهُ المعتادةَ معنا، لم تعدْ أشجارُ الزيتون التي تعصرُ خوابيها للنجوم تسامرهُ ليلاً، ولا شجرةُ الجوز الوارفةُ الثَّمرِ تناغي أحلامَهُ في الصباحِ، لم يعدْ يزهو بأيام شبابهِ ومحبةِ معلميه له، أو يحدثنا عن تحلقِ الغزلانِ حوله وغيرةِ زملائهِ من فتوتهِ، غابت عن أسماعنا أغنياتهُ العذبةُ وأناشيدهُ المدرسيةُ التي كان يرددها كلما أطربهُ اللقاءُ.

وقفَ ينادي بأعلى صوته لأمِّي قائلا: أين أنت يا رفيقتي الجميلة؟  تعالي إليَّ، أنت الفرحُ والجمالُ

الحياةُ بدونك قبرٌ مظلمٌ، والدارُ بلا عطركِ صحراءُ لا يرفُّ فيها نبتٌ.

ما أحيلاها أمِّي !! خرجتْ للوقتِ من صدري مسرعةً تجيبهُ بحنانٍ وسيلٍ من جمانٍ، أمِّي كانت قد توسَّدتْ صدري مذ رحلتْ إلى حدائقِ السماءِ، ربَّتت على كتفيهِ، قبَّلتْ وجنتيهِ وعادتْ إليَّ راضيةً كما في كلِّ مرة يناديها أبي

سمعتها تغني موالاً شجياً وتغدقُ في تحنانها، تودعُ فؤادي سفراً من عظيم الآيات وخبزِ الوصايا ثمَّ تغيبُ

لكنَّ أبي الذي أتجمَّلُ بضحكتهِ لم يسمعها، ولم تهدأ ثورةُ حزنهِ حتى أخبرتهُ أختي الصغرى أنَّ أمِّي الحبيبةَ لم تتركنا، وإنَّما ترتِّبُ لنا مع الآبِ بيتاً أبدياً في السماء بيمناها، وباليدُ الأخرى تحملُ لنا غيمةَ حبٍّ طافحةً بالنعمِ الإلهيَّةِ، وها هي تضمُّنا إليكَ يا أبي كخرافٍ وفيةٍ -فرقتها ذئابُ الزمن -لراعيها، تقدَّمُ لنا طبقاً فاخراً من تينِ الأحلام وعنبِ الذكرياتِ، وتعدُنا بهدايا أسنى.

مرحى لضحكتك البهية يا ذهبَ العمر.

——————

مرام عطية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.