29 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

تاء الذاكرة/ بقلم: نسيبة عطاء الله

نسيبة عطاء الله

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تاء الذاكرة

بقلم: نسيبة عطاء الله

تلك التّاء بالذّات، تلك التّاء

“خيرة، يمينة، يامنة، فتيحة، غرسة، نُسيبة”

هناك تاريخ طويل من تلك التّاء السّاكنة

التّي لا تُنطقُ منوّنةً إلّا في قلبي

ومرتدّة كرعدِ ليلة الشّتاء الأولى لرحيل جدّتي خيرة

أنا الصّدى لحوريّاتِ الحَوْشِ القَديم

اللّائي يضفُرْنَ أشعّةَ الشّمسِ

بالحبّ الذي يفتلنَ بهِ “كُسكُسَ” الأعراسْ

بالرّنيم الذي يُطلقنَ به حَرَّةَ رؤية المزيد من التّاءات المصموتَةِ عرائسَ

تلك التّاءُ بالذّاتِ هي الزّغرودة المعَسّكريّة

التي لا تُشبِهُ سوى جبال “بني شقران”

وبُرجَ “الزّمالة”..

غادرت خيرة ونَقَصَ البيتَ أساساتِه

وكيف بقينا نعيش في كثبان من الطّوب

هذا ما يعرفه الحُزنُ..

إنّه وفاءُ الجُدران، لأنّ بقيّة التّاءاتِ على قيد الخفقان

لكن دون غمّازاتٍ على الإطلاق

تلك التّاء بذاتها عارية من الشّجرتين العاقرتين باكرا

لأنّ شقّا نبت تحتهما

لماذا أصبحتُ مثلهنّ، أدخل وأخرج في الماضي دون أن يعلق بي الطّلحُ

وحليبُ التّينات الفتيّة؟

بسرعة لحقتها يمينة تاركة كفّها الحمراء

في ظهورنا،

بعد يمينة لم يعُد “يُدَبِّخُنا” سوى الغولةُ

و”بو وْذْنين” و “بو شْكارة” حتّى كبُرنا على الصّمم الفظيعِ

نسمعُ من داخلنا فقط هدهودتها التي نردّدها دمعا

خوفا من جيش “العوّاواتِ” الذي تكالب علينا

لم يمض الكثير حتى عدنا لا ننام.

ولم يمض الكثير حتّى فقدنا طبق “الرّوينة”

في المساءات الصّيفيّة، لأنّ يامنة أخذت الحقلَ

وتباعا أخذ البيتُ يرحل خلفها، بدءً بالقطط الرّمادية

ثمّ انتهاءً بي..

غرسة وأنا التّاءان اللّتان ستواصلان حَبك اللّيمونة

في حكايا الأحفاد، وترويان الدّالية

في كلّ الأطباق الموروثة..

بيتنا الجديد ليس جديدا تماما،

نحن حملنا التّراب القديم معنا وأحببنا تساقطنا

للحدّ الذي جعل مسح الغبار عملا موجعا

وبدل الخطاطيف صار يزورنا الحمام بكثافة اللّيل..

على نافذتي عشٌّ يأوي القبلات التي لا أشبع من إرسالها

نحو “المِّيمات” تاءً تاءً،

يزرنني في القَدَر المُختصَرِ، قبل أن يُصبح الصّباح مجرّد صورة مرتدّة من بصري

لكنّني أعرف كم العالم أكبر من أن يكون هكذا

خاليا منهنّ، تلك التّاءات اللواتي صرن تاء القصيدةِ

وأنوح لأجعلَهنّ تاريخا مُزهِرا، ليُصبح لي على الأقلّ

في هذه الذّاكرة المُدْماةِ حديقة.

وأصنع للأدب العِطْرَ

فأن تكون حزينا يعني أن تشتِلَ الأشياءَ وتقطِّرَها

لتمنعَ موتَها يابسة.

لهذا السّبب مولعة بالزّجاجاتِ الفارغة. أشتريها حتّى ولو بثمن وجبتي الوحيدة

فليس مهمّا كثيرا أن أبقى جائعة وثمّة ورقةُ توتٍ في خزانتي

لم أضع منها على رقبتي وأنتَ تُقبّلني

..

هل عرفتَ الآن لماذا لا تنساني أبدا؟

 

 نسيبة عطاء الله/ الجزائر

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.