ما أشبه الأمس باليوم/ بقلم: الشرقي عبد السلام لبريز

ما أشبه الأمس باليوم/ بقلم: الشرقي عبد السلام لبريز
قصة قصيرة ….
لم تكذب جدّتي تلك المرآة المنحدرة من إحدى قرى المغرب المنسي المتخمة في جبال الأطلس، تلك المرأة التي لم تكن تقرأ أو تكتب، حين روت لي قصة كيف يضحك تجار السياسة على ذقون البسطاء بحب الوطن، كانت تحكي وهي تختنق بالضحك، فيتحول العالم في نظري إلى تضاريس وهم، ويتسرب إلى رئتي ضجيج من شفة الريح، وأنا أسمع سردها، كيف يقدمون أنفسهم للبسطاء بأنهم أنقذوا البلاد، في حين هم ينفذَون مشروعا ضد شعب يحي في أرضه التي يزرعها ويفلحها ويعتاش من خيراتها.
كبرت ولا أعرف إن كانت جدتي والأمهات يعين أصل المشكلة، إن كن يعرفن أن سبب كل المآسي التي نعيشها هم أولئك المهرجين، لكنني الشيء الذي أنا متأكد منه هو صدق مقولة عبد الرحمان منيف حين قال:
” صمت المسنين أقوى من كل الكلمات التي نسمعها الآن! إنه صمت مدو، يجعل الخوف شيئا ماديا ملموسا!”
رغم أن جدتي لم تكن تعرف القراءة ولم تدخل مدرسة قط إلا أنها كانت، تجيد التاريخ وتحبّ الحسابَ فقط، هذه المفارقة شغلتني طويلًا، ولا أعرف أكانت حساباتها مرتبطةً بتعداد الأيام التي يقضها المبعدون عن ذويهم، الذين تم اقتيادهم إلى أماكن مجهولة في جنح الظلام؟ كما لا أعرف مَن علمها فعل التأريخ هل عشقها لوطنها، أما كرهها للجلد؟
ذلك أنّ الإمبراطوريّة التي “أنقذتْ” جدّتي هي عينُها التي مارستْ غطرستَها في حقّ فلّاحين بسطاء، جدتي كانت نادرا ما تهرب إلى الصمت، حيث كانت تغني مجموعة أغاني، كان صوتها يحمل حزنا غريبا، وحنينا، غناء يثلج الصدور حين نجيد الإصغاء إليها، فهي المرأة التي شهدتْ انكسارات عدة، لم تودع أولادها شهداء، وإنّما ودعت شباب هذا الوطن الى متوهم سنة 1965 و 1984
جدتي عايشت أمهات انتظرن سراح أبناهن، عايشت انتظار الأمهات عودة قامة اختطفت في جنح الظلام، حيث بعضهن حالفهن الحظّ، وأخريات ولم يعد لهن بل صار في خبر كان.
عبر سنواتها السبعين أو الأكثر، لا أذكر أن يوما مر دون أن تحكي لنا حكاية عن وطن…
الشرقي عبد السلام لبريز/ المغرب