28 أبريل، 2025

واحة الفكر Mêrga raman

أدبية ثقافية عامة

متبرعة…/بقلم: بلقيس آسر

متبرعة…/بقلم: بلقيس آسر

….

 

 أنا متبرعة..

سأمنح مقلتي.. لعل جميلة من سوريا فقدتهما ذات انفجار..

فيها سيرى أبنائي اخضرار المروج..

سأمنح كليتي.. لربما شاب من اليمن.. أرهقته الحرب وضاعت كليتيه.. سأساعده أن يجتاز تلك الطرق الوعرة ليصل إلى والديه في ذات قرية نائية…

وبهما سيغتسل كل محبيني سكينة ومحبة..

سأتبرع ب كبدي..

لعل امرأة من العراق قهرها ألم الظلم والجور والعوز.. فأوشكت على الموت..

سأمنحها كبدا يرفد دجلة والفرات بالحب… فتزهر حدائق بابل من جديد..

سأتبرع لسوداني أسود البشرة أبيض القلب.. نقي الروح، سامي الخلق.. لعل آسري يجدني بين الوجوه فلا يشعر بالفقد..

سأمنح.. لبنانيا لعل محبة السوري واللبناني تكسر جدار الطغاة والتفرقة..

فنسهر سويا كما كنا ونجتاز الحدود دون بطاقة أو اسم… وهل يسأل المرء عن اسمه حين يزور أهله..

سأمنح فلسطينيا.. عله يحمل بضعا مني لأتيمم بالأقصى.. وأتبارك بالزيت المقدس من كنيسة المهد… وأوفي نذر الحب على ضريح النبي شعيب عليه السلام.

و.. مؤكد سأمنح أردنيا فأشكر الأردن على حسن الضيافة.. وشهامة الرعاية وكرم العطاء…

ليتني أستطيع أن أتبرع بكلي.. وليتني زادا يكفي ظمأ الحروب..

أنا تبرعت لبنك الأعضاء لأعيش بعد عمري أزمنة متتالية أخلع قميصا لألبس آخر..

 

فهل من متبرع؟؟

هبوا أنفسكم للوجود واتركوا فرصة لأن تحييوا نفسا.. كما أراد الوهاب..

وتذكروا: نحن من التراب وإلى التراب..

 

##الفارسية

……

كتب البارحة الدكتور محمد الشوابكة، مقيم العيون في وزارة الصحة:

 

“أسمع رنة الهاتف أثناء دوامي. أنظر إلى شاشته وإذا به أحد الزملاء. لعله أمر طارئ أقول في نفسي؛ أُوقف عمل العيادة وأجيب، ويدور الحوار القصير التالي:

“-ألو، مرحبا شوابكة

هلا

– شو الأخبار؟ وينك؟

تمام الحمد لله، بالعيادة

– معلم، في قرنيات

أوك

– أركن عليك؟

أه، توكل عالله”

 

سأشرح المكالمة باختصار،

هناك شخصٌ غادر الحياة وهو الآن ممدد في المشرحة في قسم الطب الشرعي، وبعد التحاور مع أهله وافقوا على التبرع بقرنيتي عينيه ليتسنى لغيره الاستفادة منهما من خلال عملية نستبدل فيها قرنية عينه التالفة.

لذلك يجب أن يتم استئصال هاتين القرنيتين بأسرع وقت والاحتفاظ بهما ليتم استعمالها في عملية زراعة قرنية لمريض بحاجة.

أين دوري في هذه القصة؟ أنا من سيتأصل هاتين القرنيتين!

 

خرجت من قسمي مع حافظتي قرنيات متوجها إلى المشرحة

بعد التحية والسلام على الزملاء في قسم الطب الشرعي، دخلنا على المتوفى وإذا به طفلٌ صغير.

 

بعد تفقد وتجهيز الأدوات والتأكد من سلامة القرنيتين اقتربت منه لأبدأ العمل

 

من المبادئ الأساسية في جراحة العيون أنه عندما يقوم الطبيب بعمل أي إجراء جراحي للعين أن تكون يده مستندةً على نقطة ثابتة ليكون العمل متقناً، ومع الوقت يصبح هذا الأمر تصرفاً تلقائياً يحدث بلا تفكير، وهذا ما جرى اليوم.

ما إن اقتربت من الطفل حتى ارتكأت يدي مباشرة على وجنته، وشعرت لحظتها ببرودة جسمه الذي خرجت منه الحياة! شعور يقشعر له البدن!

 

هذه ليست المرة الأولى التي أستأصل فيها قرنية متوفى، ولكن كأنها أول مرة!

في كل مرة أقول “سأعتاد ذلك”، ولكن لا! كل مرة كأنها أول مرة!

 

الموت حق، قادم لا محالة. فلنستعد له!

 

في هذه الصورة ترقد قرنيتي المتوفى بانتظار نقلهما إلى إنسانين آخرين.

غادر إنسان الحياة ولكنه منح البصر لإنسانين آخرين!

رحمه الله وأعان أهله على مصابهم

وليكن هو وأهله مثالا يحتذى في التبرع بالأعضاء لمن هم بحاجة”

 

#في_التبرع_حياة

#في_عيونهم_حياة

#من_بعدي_حياة

Mohammad S. Alshawabkeh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © All rights reserved. | Newsphere by AF themes.