هروب…بقلم: رودي سليمان

هروب…بقلم: رودي سليمان
………
مامن هروب أتقنته إلا وجرّ ذيول المصائب
أوله
غضة كنت
هربت من نافذة الحياة
لأخرج مكفوفة
أرى الكون بحقيقته السوداء
حتى اضمحلت كل الألوان
هروبٌ ثانٍ
كان من وتر القيثارة
حتى ذابت أصابعي في طيات الأوتار
فلا الوتر تخلى عن حزنه
ولا اللحن انساق نحو السراب
بقي على مسامعي ممدداً على أهبة الذكريات
ثالثٌ
كان هروباً من جرة العسل
حتى صادفني دب وظنني عسلية المذاق
غرف مني
وانتزع قلبي ليحتفظ به في جذع شجرة يقطنها
تؤنسه بحزنها ويؤنسها بهمجيته
هروبي الرابع
كان مدّمى
عبرت أسلاكاً كثيرة
وودعتُ بلاداً تجترها الحروب
كي لاأتوه فيها
فلما أفقت
لا كنتُ ميتة كما قبل الأسلاك
ولابتُّ حية كما بعد الأسلاك
أنا مازلت في قوقعة الهروب
اجتر الحياة كمن يؤجل موته
هروباً خامساً
إليك مقصدي
والمصيبة أنك هناك
فحرصتَ إغراقي في الدموع
أترى ذاك البحر هناك؟
منبعه حلمي
ومصبه قلبي
لك أن تعرف اتساع الفجوة التي هدمتها بي
هروبي السادس
صنعته على الورق
هرّبتُ اللغة وجمعتها في وريقة بيضاء
طويتها
رددتُ صداها في صلواتي
حتى اختفت الابجدية
وبقيت حروف اسمك
تعانق مشانقها
و تلوّح للرياح كبرياء عشق مات في مخاضه
هروبي الاخير
كان مني إلي
فكلما بحثت عنك
أراكَ ذائباً في العدم
فأرجع خائبة نحوي.